عودة

حكم الشريعة الإسلامية في التبرع بالأعضاء


الجمهور الأعظم من علماء المسلمين ذهبوا إلى جواز نقل الأعضاء للأسباب الآتية:

1-التبرع يعتبر صدقة جارية.
كحال شاب لم يتجاوز سنه الثانية والعشرين يرقد على سرير المرض بعد فشل قلبه بشكل نهائي وما زال ينتظر موت المنقذ ليبعث له الحياة من جديد يقول الشاب "لا أتمنى لأحد الموت من اجل أن أعيش وأفضل أن أبقى على وضعي دون ضرر لغيري، ويسأل هذا الشاب ما دام هذا الإنسان قدر له الله تعالى الموت، فلماذا لا يكون قلبه صدقة جارية ينقذ بها إنسان أخر يظل يدعو له ويترحم عليه طوال حياته؟ يقول إن سعادتي لا توصف عندما بشرني الأطباء بتوفر قلب لشخص متوفى دماغيا. شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الذي سبق وأعلن تبرعه بقرنية عينه بعد وفاته قال انه يجوز نقل الأعضاء الآدمية من إنسان توفى حديثا إلى أخر حي" ما دام ذلك يتم بطريقة سليمة وعن طريق التبرع، معتبرا أن هذا التبرع هو نوع من الإيثار المحمود والصدقة الجارية.

2-موت جذع المخ.
يرى نقيب الأطباء المصري حمدي السيد أن موت جذع المخ هو موت كامل لا يعود بعده الإنسان إلى الحياة وعدم التبرع بالأعضاء يشكل إجحافا بحق المرضى. لقد وضع الأطباء علامات اكلينية يمكن بها إعلان موت الدماغ منها: عدم وجود أي فعل انعكاسي، تأكيد نتائج الكشف الاكليني برسم المخ الذي يظهر باستمرار، عدم وجود أية وظائف للمخ خلال 24 ساعة.

3- حقيقة الولاية.
ذهب شيخ الأزهر المرحوم جاد الحق علي جاد الحق أن إعطاء عضو من الأعضاء جائز للولاية المعطاء للإنسان من قبل الله تعالى على أعضائه، إذ من الواضح أن المتولي يمكن أن يتصرف فيما جعل وليا عليه وان لم يكن مالكا بشرط أن يصرح طبيب مسلم ثقة بان نقل العضو من شخص إلى آخر لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع وإنما يترتب عليه إنقاذ حياة الشخص المتبرع له أو إنقاذه من مرض خطير.

4- بنص القران الكريم.
ذهب المؤيدون إلى أدلة نصية تجيز نقل الأعضاء منها: قوله تعالى " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" المائدة 32 . وقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" البقرة 186 . وقوله تعالى: " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا " (النساء28) وقوله: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " (المائدة 6) وعن أسامة بن شريك قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: "نعم فإن الله لم ينزل داء إلا وانزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" رواه احمد . هذه الآيات والأحاديث حكم عام يشمل إنقاذ الإنسان من التهلكة.

5- بتأصيل القواعد الفقهية.
هناك أدلة أخذها العلماء من القواعد الفقهية ومنها: أن الضرر يجب أن يزال وهو من مقاصد الشريعة. والضرورات تبيح المحظورات. وإذا ضاق الأمر اتسع. الأمور بمقاصدها. ومن مقاصد الإسلام الكبرى المحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والعرض والنسل ومعلوم أن الحياة لا تستقيم بدون وجود هذه الضروريات ومن هنا شرع الإسلام الحدود والقصاص لكل من ينتهك حرمة هذه الضرورات.

6- تكريم الإنسان.
خلق الله الإنسان وكرمه، لذلك حرص الإسلام على حياته وعدم الإضرار به، لذلك أمرت الشريعة الإنسان باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ على ذاته وحياته وصحته وتمنع عنه الأذى والضرر فأمرته بالبعد عن المحرمات والمفسدات والمهلكات وأوجبت عليه عند المرض اتخاذ سبل العلاج والشفاء , ومن الوسائل الطبية للمحافظة على النفس نقل بعض الأعضاء من إنسان لآخر سواء الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي.

7- فهم آخر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسره حيا"
فان هذا التكريم لا يؤثر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة إنسان آخر أو رد بصره بعده لان مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت.

8- الملكية
الرد على مقولة أن جسم الإنسان ملك لله ولا يحق للإنسان أن يتصرف فيما لا يملك فهذا كلام ليس عليه دليل مسلم به , فإن الذي لا يملكه الإنسان هو حياته وروحه فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس في التهلكة , أما الإنسان من حيث أجزاؤه المادية فهو مالكها وله أن يتصرف فيها بما لا يضره ضررا لا يحتمل إذ لا ضرر ولا ضرار وأيضا: إن كل شيء ملك لله (لله ما في السموات وما في الأرض)البقرة 284 (ولله ملك السموات والأرض)المائدة 17 والمال كذلك مال الله ومع ذلك يقول الله تعالى(واتوهم من مال الله الذي آتاكم)النور33 " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله" آل عمران 180، فالمال فضل الله ورزقه ومع ذلك نزكي بالمال ونتبرع به، فلماذا لا نتبرع بجزء من الجسم؟ الم يجز العلماء من غير نكير إباحة التبرع بالدم، والدم جزء من الجسم كما أن المرأة تتبرع بلبنها فقد ترضع امرأة طفلا لامرأة أخرى وهذا اللبن جزء منها إضافة إلى ذلك لا يوجد دليل على التحريم فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد من النصوص ما يمنع، ونحن مأمورون أن ندفع قدر الله بقدر الله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما افر من قدر الله إلى قدر الله ...

9- تحديد الشروط .
المؤيدون لم يرخصوا ولم يجيزوا على إطلاقه، بل لا بد من شروط وضوابط وضعها العلماء ووضعتها المجامع الفقهية، وهذه الشروط عبر حالتين: الأولى: النقل من الحي إلى الحي وشروط ذلك:
أولا: الضرورة القصوى للنقل، بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور صحي مستمر ولا ينقذه من هلاك محقق إلا نقل عضو سليم إليه من إنسان أخر, ويقدر ذلك أهل الخبرة الطبية العدول، شريطة أن يكون المأخوذ منه وافق على ذلك حال كونه بالغا عاقلا مختارا.
ثانيا: ألا يؤدى نقل العضو إلى ضرر محقق بالمنقول منه يضر به كليا أو جزئيا أو يمنعه من مزاولة عمله الذي يباشره في الحياة ماديا ومعنويا أو يؤثر عليه سلبيا في الحال أو المال بطريق مؤكد من الناحية الطبية فالضرر لا يزال بالضرر.
ثالثا: أن يكون النقل من دون أي مقابل مادي أو معنوي مطلقا بالمباشرة أو بالواسطة حتى يكون بعيدا عن البيع والشراء والتجارة. ومسألة بيع الأعضاء والمتاجرة فيها، ليست وليدة العصر الحديث، فهي موجودة في التراث الفقهي الإسلامي، لكن باسم آخر وهو" الانتفاع" وهي موجودة في المذاهب الأربعة، إذ قالوا رحمهم الله " لا يجوز بيع شعور الإنسان ولا الانتفاع بها لان الآدمي مكرم، فلا يجوز الانتفاع بجلده ودبغه ولا بأسنانه وإذا كان فقهاؤنا الأقدمون حرموا بيع شعر الآدمي وجلده وأسنانه والانتفاع بها، فإن القول ببيع الأعضاء والانتفاع بها يكون اشد حرمة عندهم من باب أولى.
رابعا: صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط وإعطاؤه لذوي الشأن من الطرفين المنقول منه والمنقول إليه قبل إجراء العملية الطبية على أن تكون هذه اللجنة متخصصة ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول وليس لأحد منهم مصلحة في عملية النقل.
خامسا: يشترط ألا يكون العضو المنقول مؤديا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال.


شروط الحالة الثانية وهي النقل من الميت إلى الحي.
أولا: أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتا شرعيا بالمفارقة التامة للحياة أي موتا كليا تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى، بشهادة ثلاثة من أهل الخبرة العدول.
ثانيا: الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر حي أو ميت. ثالثا: أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية ومن دون إكراه مادي أو معنوي وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان كرامة الآدمي. رابعاً: ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديا إلى اختلاط الأنساب كالأعضاء التناسلية وغيرها. خامساً: أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له دون أي مقابل مادي بين أطراف النقل.


فتاوى صدرت من العالم الإسلامي بجواز نقل الأعضاء:
1.القرار الصادر من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 99 لسنة 1402هـ ، الذي أجاز نقل عضو أو جزء من إنسان حي , أو ميت , مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه وامن الخطر في نزعه وغلب على الظن نجاح زرعه.

2.قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة.

3.قرار المجمع الفقهي التاسع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته المنعقدة في جدة عام 1408هـ. 

4. 1-رقم الفتوى 36345 وتاريخها 18/8/2003م، الشبكة الإسلامية – موسوعة الفتاوى والسؤال: تركت أمي وصية لنا قبل موتها وهي التبرع بكليتها للمستشفى لم نفعل ذلك لأسباب , فما حكم الشرع في ذلك.
الفتوى: فإن نقل الأعضاء من الأحياء والأموات مسألة اختلف فيها العلماء والراجح والله اعلم هو جواز نقل الأعضاء من الأحياء بشرط ألا يتضرر المتبرع وان يكون طالب العضو في حالة اضطرار له , أما نقل العضو من الميت فالراجح جوازه أيضا لما فيه من المصالح الكثيرة التي راعتها الشريعة وقد ثبت أن مصالح الأحياء مقدمة على المحافظة على حرمة الأموات.

5.رقم الفتوى 42731 ( الشبكة الإسلامية) موسوعة الفتاوى تاريخ الفتوى 31.12.200م السؤال :
أبي مريض جدا ويحتاج إلى عملية جراحية مستعجلة لزرع الكلى هل يجوز شرعا أن أعطي أبي كليتي كي يزرعها؟
الفتوى: لا بأس بتبرعك بإحدى كليتيك بل إن ذلك من البر به، ولكن لذلك ضوابط ذكرناها في الفتوى رقم 9409 والفتوى رقم 4388. 

6.رقم الفتوى 52260 تاريخ الفتوى 21.08.2004. الشبكة الإسلامية – موسوعة الفتاوى.السؤال:
هل استطيع أن أوقع على وثيقة تبرع بالأعضاء في حالة الموت علما بأن هذه الأعضاء قد تصل إلى مرضى يهود يحتاجونها.
الفتوى:- فقد سبق في الفتوى 11667 بيان حكم التبرع بالأعضاء وشروط ذلك وذكرنا هناك انه يشترط أن يكون المتبرع له معصوم الدم، أي أن يكون مسلما أو ذميا ، وعليه فإذا كان المسلم متأكدا من أن المستفيد من أعضائه مسلمون أو من أهل الذمة , فلا مانع من توقيعه على مثل هذه الوثيقة. 

7.رقم الفتوى 50492(الشبكة الإسلامية- موسوعة الفتاوى) تاريخ الفتوى: 28.6.2004
السؤال: أرجو بيان شروط جواز زراعة القلب.
الفتوى:

  1. أن يرجى من زراعته للإنسان نفع أرجح من الضرر الذي سيترتب على إجراء العملية.
  2. أن لا يكون منقولا من شخص حي، لان نقله من الحي يسبب موته.
  3. أن يأذن صاحبه فيه قبل وفاته أو ورثته.
  4. لا يجوز زراعة أجزاء من الخنزير للإنسان إلا أن تدعو لذلك حاجة معتبرة، ولم يجد ما يقوم مقام الجزء المراد من حيوان طاهر(راجع الفتوى رقم 8494).

8.صرح مفتى مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الدكتور نصر فريد واصل، بأنه يشترط خضوع عملية نقل الأعضاء من المتوفى للحى لضوابط وشروط طبية مشددة , وإذا كانت عملية النقل تتم من ميت إلى حي بهدف إنقاذ حياته من هلاك محقق أو لتحقيق مصلحة ضرورية، فيجب أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته بالمفارقة التامة للحياة، يستحيل عودته للحياة مرة أخرى بشهادة ثلاثة من أهل الخبرة العدول وان يكون المتوفى قد أوصى في حياته بالعضو المنقول منه(من موقع الشرق الأوسط- جريدة العرب الدولية – 7 ابريل 2007 العدد 10357)

الخلاصة
أولا: ذهب العلماء وهم الجمهور الأعظم من علماء الأمة إلى جواز التبرع بالأعضاء الآدمية والانتفاع بها ما دامت تحقق المصلحة وتنقذ حياة إنسان لقوله تعالى : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " وما دام المنقول منه لا يضار وأيد هذا الرأي علماء لهم فتاوى فردية منضبطة ومجامع فقهية معتبره فمن العلماء الشيوخ جاد الحق علي جاد الحق, يوسف القرضاوي، محمد سيد طنطاوي ونصر فريد واصل، عطية صقر، علي جمعة، محمد نعيم ياسين، وعكرمة صبري، ومصطفى الزرقا، عبد الرحمن بن ناصر السعدي وإبراهيم الدحقوبي وغيرهم.
وأما المجامع الفقهية التي أيدت هذا الرأي فمنها:
مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجده في المملكة العربية السعودية في 6/11/1988م والمجلس ألأوروبي للإفتاء والبحوث والمؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد في ماليزيا 1969 ومجمع البحوث الإسلامية في مصر وهيئة كبار العلماء بالسعودية ولجان الإفتاء بالأردن والكويت ومصر والجزائر وغير ذلك.
ثانيا: تأكيد علماء المسلمين للعلاقة الوثيقة بين التعاليم الإسلامية والحقائق الطبية لكون الإسلام يدعو إلى كل ما يخدم الإنسانية .
ثالثا: تنشيط التوجيه الديني في التربية الصحية.
رابعا: إدماج التربية الصحية في البرامج المدرسية.
خامسا: برمجة أيام دراسية متخصصة مشتركة يحضرها أهل الاختصاص من الأطباء وعلماء الدين وأئمة المساجد.

 

Created by Tvuna